قضية رقم 163 لسنة 26 قضائية المحكمة الدستورية
قضية رقم 163 لسنة 26 قضائيةالمحكمة الدستورية
العليا " دستورية "
نص الحكم
باسم الشعب
المحكم الدستوريةالعليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يومالأحد الثاني من ديسمبر سنة 2007م، الموافق 22 من ذي القعدة سنة 1428 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهرالبحيري نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادةالمستشارين / محمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعليعوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وماهر سامي يوسف.
وحضور السيد المستشار / رجب عبد الحكيم سليم رئيس هيئةالمفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسنأمين السر
في القضية المقيدة بجدولالمحكمة الدستورية العليا برقم 163 لسنة 26 قضائية "دستورية ".
السيد / أيمن محمد عاطفحامد
1- السيد رئيس مجلس الوزراء
2- السيد المستشار وزير العدل
3- السيد المستشار النائب العام
بتاريخ الثالث عشر من يوليو سنة 2004، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالياً الحكم بعدم دستوريةنص المادتين ( 209، 210 ) من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدمقبول الدعوى، واحتياطياً: برفضها.
وبعدتحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى علي النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررتالمحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
بعد الإطلاع علي الأوراق، والمداولة.
حيث أن الوقائع ـ علي ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائرالأوراق ـ تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعي ـ وآخرين ـ في الجنحةرقم 318 لسنة 2002 شئون مالية، بارتكاب جرائم مالية تمثل مخالفات لقانون سوق المال،ثم انتهت في تحقيقاتها إلي إصدار قرارها بالا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبلالمتهمين لعدم الأهمية. تظلم المدعي من القرار للنائب العام، كما طعن عليه أماممحكمة الجنح المستأنفة للشئون المالية والتجارية برقم 115 لسنة 2002 جنح مستأنف،وبجلسة 29/3/2003 أصدرت تلك المحكمة ـ منعقدة في غرفة مشورة ـ قرارها بعدم قبولالاستئناف شكلاً لرفعه من غير ذي صفة إعمالاً لحكم المادة (210) إجراءات جنائيةالتي لم تخوّل المتهم حق الطعن. كما كان المدعي قد أقام أيضاً الدعوى رقم 13091لسنة 2003 مدني كلي جنوب القاهرة طعناً علي القرار ذاته فأحالته إلي محكمة الجنحالمستأنفة للشئون المالية والتجارية للاختصاص والتي قررت كذلك في 30/12/2004 عدمقبول الطعن للتقرير من غير ذي صفة، ومن جهة أخري أقام المدعي الدعوى رقم 21678 لسنة 56 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالبا بصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار السلبي الصادرمن النائب العام لعدم التصرف في القرار المتظلم منه علي ضوء ما قدمه إليه من أوراقومستندات، وبجلسة 13/4/2004 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى، وأمرتبإحالتها إلي محكمة الجنح المستأنفة للشئون المالية والتجارية، أمام المحكمةالأخيرة دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (209، 210) من قانون الإجراءات الجنائية،وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوىالمماثلة.
وحيث إن المادة (209) من قانونالإجراءات الجنائية تنص علي انه: " إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق انه لا وجهلإقامة الدعوى تصدر أمرا بذلك، وتأمر بالإفراج عن المتهم المحبوس ما لم يكن محبوساًلسبب آخر ولا يكون صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى في الجنايات إلا من المحاميالعام أو من يقوم مقامة.
ويجب أن يشملالأمر علي الأسباب التي بني عليها ويعلن الأمر للمدعي بالحقوق المدنية وإذا كان قدتوفي يكون الإعلان لورثته جملة في محل إقامته".
وتنص المادة (210) من قانون ذاته علي أن: " للمدعي بالحقوقالمدنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى إلا إذاكان صادرا في تهمة موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو احد رجال الضبط لجريمة وقعت منهإثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ما لم يكن من الجرائم المشار إليها في المادة (123) من قانون العقوبات.
ويحصل الطعن بتقرير فيقلم الكتاب في ميعاد عشرة أيام من تاريخ إعلان المدعي بالحق المدنيبالأمر.
ويرفع الطعن إلي محكمة الجناياتمنعقدة في غرفة المشورة في مواد الجنايات وإلي محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فيغرفة المشورة في مواد الجنح والمخالفات، ويتبع في رفعه والفصل فيه الأحكام المقررةفي شأن استئناف الاوامر الصادرة من قاضي التحقيق".
وحيث أن المصلحة الشخصية المباشرة ـ وهي شرط لقبول الدعوىالدستورية ـ مناطها، وعلي ما جرى به قضاء هذه المحكمة، أن يكون ثمة ارتباط بينهاوبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألةالدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. متىكان ذلك، وكان النزاع فى الدعوى الموضوعية يدور فى جوهره حول اختصام الأمر الصادرمن النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد المدعى – لعدم الأهمية، وإذكان النصان المطعون فيهما يحددان سلطة إصدار هذا الأمر ، ومن له الحق فى الطعن فيه،فإن حسم مسألة دستوريتهما ، والذي يكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية، ويحققمصلحة المدعى فى الدعوى الدستورية الماثلة، ومن ثم يتحدد به نطاق الدعوى الدستوريةينحصر فيما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (209) من منح النيابة العامة سلطة إصدارالرأي بألا وجه، وما تضمنة الفقرة الأولى من المادة (210) من قصر حق الطعن فى الطعنعلى الأمر بألا وجه لعدم الأهمية على المدعى بالحقوق المدنية فقط دون المتهم، ولايتعداه إلى غير ذلك من أحكام وردت فى المادتين المطعون فيهما. وبالتالي يغدو دفعهيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعى فى الطعن على النصينسالفى البيان، فى غير محله، متعيناً طرحه والالتفات عنه.
وحيث أن المدعى ينعى على النصين المطعون عليهما- محدداًنطاقهما على نحو ما سلف – مخالفتهما لأحكام المواد ( 8،40،65،67،68،165، 166، 167) من الدستور ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (209) المشار إليها قد منحت النيابةالعامة سلطات تجمع فيها بين الاتهام والتحقيق والحكم بالمخالفة لمبدأ الفصل بينالسلطات ، وبما يهدر حق التقاضى ومبدأ استقلال السلطة القضائية. كما أن الفقرةالأولى من المادة (210) بقصرها حق الطعن على القرار بألا وجه لإقامة الدعوىالجنائية لعدم الأهمية على المدعى بالحقوق المدنية دون المتهم. قد أخلت بمبدأيتكافؤ الفرص والمساواة فضلاً عن إخلاله بحق المتهم فى محاكمة عادلة وإهداره لحقالدفاع.
وحيث أنه فى حق الطعن على دستوريةالفقرة الأولى من المادة (209) من قانون الإجراءات الجنائية، فإن ما ينعاه المدعى،مردود – بأنه من المستقر أن التنظيم التشريعي لحق التقاضى لا يتقيد بأشكال جامدة بليجوز أن يغادر المشرع فيما بينها بأن يقرر لكل حالة ما يناسبها ليظل هذا التنظيممرناً يفى بمتطلبات الخصومة القضائية، وأهمها الحيدة والاستقلال، يعد أمراً واجباًفى كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلان فى مجال مباشرةالعدالة، وتحقيق فاعليتها، ولكل منها القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلوا إحداها علىالأخرى أو تجبها، بل تتضامان تكاملاً، وتتكافآن قدراً – وهاتان الضمانتان تتوافرانبلا ريب فى أعضاء النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية، أحاطها المشرع بسياج منالضمانات والحصانات على النحو الوارد بنصوص قانون السلطة القضائية الصادر بالقراربقانون رقم 46 لسنة 1972، على نحو يقطع بتوافر ضمانتي الاستقلال والحيدة لهم، فضلاًعن أن عضو النيابة يمارس أعمال التحقيق لاعتبارات قدرها المشرع ، وهو فى هذه الحدوديستمد حقه من النائب العام بصفته سلطة اتهام، وإنما من القانون نفسه، وهو الأمرالذى تستلزمه إجراءات التحقيق باعتبارها من الأعمال القضائية البحتة، وما يصدر عنعضو النيابة العامة من قرارات وأوامر قضائية فى هذا النطاق إنما يصدر منه متسماًبتجرد القاضي وحيدته، مستقلاً فى اتخاذ قراره عن سلطان رئاسة رئيس، أو رقابة رقيب – ما خلا ضميراً لا يرقب إلا الله فى عمله، ويضحى أمر تخويله الاختصاص بإصدارالقرارات بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى متفقاً مع أحكام الدستور ، وغير مخالف لأي مننصوصه، بما يستوجب القضاء برفض الدعوى فى هذا الشق منها .
وحيث أن النعي على نص المادة (210) من قانون الإجراءاتالجنائية – فى حدود النطاق السالف بيانه – سديد فى مجمله، ذلك بأن المدعى بالحقالمدني والمتهم طرفان فى خصومة جنائية واحدة – أياً ما كان وجه الرأي فى طبيعة تلكالخصومة – بما يعد معه الاثنان فى مركز قانون متماثل فى هذا المقام، فإذا اختص النصالمطعون فيه المدعى بالحق المدني بطعن الحق على القرار بألا وجه، وحرم منه المتهم – كان ذلك إهداراً لمبدأ المساواة بما يناقض نص المادة (40) من الدستور. ومن ناحيةأخرى فإن حرمان المتهم من الطعن على القرار بألا وجه لعدم الأهمية يصادر حقهالدستوري فى المثول أمام قاضية الطبيعي ويهدر حقه فى التقاضى لنيل الترضية القضائيةالمنصفة، ذلك أن القرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية فضلاً عن أنهلا يبرئ ساحة المتهم – على خلاف الحكم القضائي البات – ليست له حجية مطلقة بل يمكنللنائب العام أن يلغيه خلال مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد صدر قرارمن محكمة الجنايات أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة بحسبالأحوال برفض الطعن المرفوع فى هذا الأمر، كما لا يمنع صدور هذا الأمر النيابةالعامة من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انقضاء المدة المقررة لسقوطالدعوى الجنائية طبقاً لنص المادة (197) من قانون الإجراءات الجنائية، ومؤدى ماتقدم أن مصادرة حق المدعى فى الطعن على القرار بألا وجه لعدم الأهمية من شأنه أنيجعله – فى حالات معينة – مهدداً بإلغائه وإعادة التحقيق معه فى أي وقت بما ينطويعلى تغيير واقعي – وليس مجرد تغيير نظري – فى المركز القانوني للمدعى يفقد فى ظلهضمانات الدفاع عن نفسه، ويعجز عن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، فضلاً عن أن المتهممن حقه أن يناضل فى سبيل إبراء ساحته والدفاع عن سمعته واعتباره .
- وسبيل ذلك ووسيلته محاكمة عادلة يصدر فيها حكم قضائينهائي بذلك. ومن ثم فإن النص المطعون عليه يخالف نصوص المواد 165،68،67،65،64 منالدستور .
حكمت المحكمة بعدم دستوريةالفقرة الأولى من المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية تضمنته من قصر الحق فىالطعن على الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية،على المدعى بالحقوق المدنية – دون المتهم، ورفض ما عدا ذلك من طلبات. وألزمتالطرفين – مناصفة – المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه أتعاب المحاماة .