أركان جريمة التهرب الضريبي
المبحث الثاني
أركان جريمة التهرب الضريبي
تمهيد وتقسيم:
الأصل أن الجريمة تتكون من ركنين ( )، وهما الركن المادي والركن المعنوي فإذا غاب أو لم يتحقق احدهما لا يجرم الفعل، والركن المادي للجريمة وكما نص عليه القانون هو أي نشاط إجرامي بارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل متى كان هذا الارتكاب أو الامتناع مجرماً قانوناً ( ).
أما الركن المعنوي للجريمة فهو العمد أو الخطأ، حيث أن توفر العمد باتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل متى كان هذا الارتكاب والامتناع مجرما قانوناً وذلك بقصد إحداث نتيجة مباشرة أو أي نتيجة أخرى مجرمة قانوناً بكون الجاني قد توقعها، ويتوفر الخطأ إذا وقعت النتيجة الإجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء أكان هذا الخطأ إهمالا أم عدم انتباه أم عدم احتياط أو طيشا أو رعونة أو عدم مراعاة القوانين أو اللوائح أو الأنظمة أو الأوامر( ).
ومن المعلوم فقهيا أن الركن المادي للجريمة في الجرائم يتألف من عناصر ثلاثة وهي الفعل أو السلوك في حالتيه الإيجابية والسلبية، والنتيجة ورابطة السبيبة بينهم ( )، وبالنظر لجريمة التهرب الضريبي فنجد أن لها طبيعة خاصة، حيث ان السلوك او الفعل لا يتطلب فيها تحقيق النتيجة، لذا يعتبر الركن المادي له إثر غاية في الأهمية عند ارتكاب الجاني سلوك خارجي له كيان مادي ملموس ( ).
اما بالنسبة للركن المعنوي في جريمة التهرب الضريبي فيتحقق إذا توافرت الإرادة الاثمة في ان يرتكب المجرم المخالفة او التهرب ضد التشريع الضريبي سواء كانت هذه المخالفة بالخطأ او الإهمال أو بعدم التبصر.
وعلى ضوء ذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
- المطلب الأول: الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي.
- المطلب الثاني: الركن المعنوي لجريمة التهرب الضريبي.
المطلب الأول
الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي
تمهيد وتقسيم:
يقصد بالركن المادي للجريمة بأنه السلوك أو النشاط الذي يباشره مرتكب الجريمة، فلا وجود للجريمة دون وجوده، ولا يحاكم الجاني إلا اذا صدر منه سلوك مادي محدد، فلا محاكمة على فكر أو نوايا بل يلزم تجسيد هذه الأفكار والنوايا في سلوك مادي معين( )، وقد يكون هذا السلوك الصادر من المجرم سلوكا إيجابيا او سلبيا، والسلوك السلبي هنا بمعني الامتناع عن مباشرة هذا الفعل الواجب قانونيا، كما أن الركن المادي للجريمة هو المسؤول عن اظهار ماديات الجريمة حيث أنه لا جريمة بمجرد الاعتقاد ( ).
وبذلك يقوم الركن المادي للجريمة بشكل عام على أثر وجود الفعل او السلوك، وقد يختلف هذا الفعل او السلوك مع اختلاف الجرم، كما قد يكون هذا السلوك إيجابيا او سلبيا والتي تكون الجريمة التي يعاقب عليها القانون الجنائي، أيضا قد يكون نتيجة لفعل واحد او عدد من الأفعال وقد يكون وقتيا او مستمرا، وقد ذهب جانب من الفقه بأن جريمة التهرب الضريبي هي جريمة وقتية لأنها تقع بمجرد ارتكاب فعل التهرب من سداد الضريبة أو عند ارتكاب فعل الاحتيال الضريبي وعدم الالتزام ومخالفة القانون بأداء الضريبة باللجوء إلى هذه الطرق والوسائل الاحتيالية ( )، كما أن جريمة التهرب الضريبي تقع وتنتهي بمجرد تخلص الجاني من أداء الضريبة في حين أن الجاني في الوقت نفسة يسأل عن جريمة الامتناع عن سداد الضريبة وهي جريمة مستمرة بطبيعتها ( ).
والركن المادي لجريمة التهرب الضريبي فأنه يتحقق عند مخالفة التشريع الضريبي من قبل المكلف وذلك بعدم الالتزامات والتملص من سداد الضريبية التي تنشأ بموجب القانون عن طريق طرق ووسائل غير شرعية مما يشكل اعتداء صريح على الدولة ومصالحها، فيحقق الجاني النتيجة التي يصفها القانون بأنها جريمة تامة بالطريق الإيجابي أو السلبي حيث يمتنع المكلف من سداد الضريبة الذي هو عمل فرض عليه من قبل القانون للقيام به بموجب نصوصه ( ).
ومع ذلك فإن لكل جريمة ركن مادي له طبيعته التي تختلف عن الجرائم الأخرى، فعلي سبيل المثال، فجريمة القتل بالسكين، التي أدت إلى وفاة المجني عليه، تختلف عن استعمال الطرق الاحتيالية والغش والتدليس في جريمة التهرب الضريبي، لذا لابد من أن يتحقق السلوك والنتيجة والعلاقة السبيبة التي تربط السلوك بالجريمة، فالقاعدة تنص على أن الركن المادي للجريمة يقوم على ثلاث عناصر وهما السلوك الاجرامي، والنتيجة، والعلاقة السبيبة بين السلوك والنتيجة، فلا يسأل الشخص جنائيا عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ولا يكون عرضة للعقاب على هذه الجريمة إلا إذا تحققت الأركان المادية للجريمة مع توافر القصد والعلم( )، ( ).
وعلى ضوء ذلك سنقسم هذا المطلب إلى ثلاثة أفرع:
- الفرع الأول: استعمال الطرق الاحتيالية.
- الفرع الثاني: التهرب من أداء الضريبة.
- الفرع الثالث: العلاقة السببية بين التهرب والطرق الاحتيالية.
الفرع الأول
استعمال الطرق الاحتيالية
يعد السلوك او النشاط أساس الركن المادي للجريمة ومن دونه لا يجرم الفعل، والسلوك الاجرامي في جريمة التهرب الضريبي هو استعمال الطرق الاحتيالية وقد بينها المشرع الاماراتي في القانون الضريبي، وقد عرف الفقه هذا السلوك في جريمة التهرب الضريبي بأنه الفعل الذي يصدر من الجاني بالاعتداء على المصلحة الضريبية ( ).
كما لابد لتحقق هذا السلوك القيام بأحدي الأفعال الاحتيالية التي نص عليها المشرع الاماراتي بأنها إحدى الطرق الاحتيالية التي يلجأ إليها المكلف للتهرب من سداد الضريبة.
لذا يعاقب القانون على الجريمة لأنها تقع عدوانا على مصلحة او حق جدير بالحماية الجنائية، فالأصل ان كل نص من قانون العقوبات يقوم على حماية مصلحة معينة كما ان وسيلته في ذلك هو تجريم السلوك والذي يمس تلك المصلحة سواء كان فعلاً او امتناعاً، لان المساس هنا هو عله التجريم ( ).
ويأتي السلوك في صورة إيجابية وسلبية مع توافر عنصر الإرادة، والإرادة هنا هي النشاط او الحركة العضوية، حيث ان السلوك اصلة اراداي، إيجابيا او سلبيا فلا يكفيه مجرد توفر العنصر المادي له ليجرم او يكتسب الصفة الجنائية بل لابد من توافر رابطة نفسية بين إرادة الفعال وهذا السلوك، وان تكون الإرادة هنا حره واعية حتى يكون لهذا النشاط او الفعل المادي قيمة قانونية ( ).
ويذهب الباحث في هذا الصدد بالقول بأن السلوك يتمثل في جميع الأنشطة سواء كانت إيجابية او سلبية والتي يتوقف عليه عقوبة ينص عليها القانون في قانون العقوبات، والسلبية هنا هو الامتناع الذي يتوقف على مخالفة النص القانوني الذي يأمر بالإتيان بفعل ما.
وجريمة التهرب الضريبي لها طبيعة خاصة كالجرائم الأخرى فقد يشترط القانون في بعض الجرائم قيام وسائل محدده أو معينه أشار اليها صريح القانون، فاشترط المشرع الاماراتي على سبيل المثال، في جرائم الحرائق، اضرام النار عمدا في الأبنية والمصانع وخلافه مما نص عليه القانون ( )، كما استخدام الطرق الاحتيالية أو اتخاذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة في جريمة النصب والاحتيال ( ).
لذا لا يقوم الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي ما لم تستخدم الطرق والوسائل الاحتيالية التي قد حددها القانون والذي هو السلوك الجرمي الذي يعاقب عليه، والطرق الاحتيالية هنا لم يعرفها المشرع الاماراتي بل ذكر هذه الطرق وقد يكون ذلك لأن جريمة التهرب الضريبي هي جريمة لا يمكن تقييدها.
وقد نصت المادة (23) من القانون الاتحادي رقم (7) لسنة (2017) بشأن الضريبة الانتقائية عن حالات التهرب الضريبي مع مراعاة تلك الواردة في قانون الاتحادي في شأن الإجراءات الضريبية ( ).
وقد جاء في نص القانون أنه إذا تم ادخال أو محاولة ادخال سلع انتقائية إلى الدولة أو إخراجها أو محاولة إخراجها منها دون سداد الضريبة المستحقة عليها جزئيا أو كليا ( ).
وعليه إذا تحقق هذا النشاط او الفعل قامت جريمة التهرب الضريبي كما بين النص القانوني، وقد بين النص بأن الجريمة ليست في ادخال السلع فقط والتهرب من سداد الضريبة المفروضة عليها بل عند إخراجها خارج إقليم الدولة وفي كل حالات التهرب الجزئية او الكلية دون سداد الضريبة المستحقة للدولة، ومع ذلك غاب في النص الشروع، وقد ذكر المشرع كلمة (المحاولة) أو إتمام الفعل وتجريمهم وقد يكون حكم الشروع في جريمة التهرب الضريبي لم يرد حيث ان الفعل يعتبر في هذه الجريمة تام يستوجب العقاب، أي أن المحاولة هي البدء في التنفيذ والشروع في ارتكاب الفعل كعمل تحضيري وقد أشار إليها بأنها جزء من الركن المادي للجريمة او يؤدي اليه حالا ومباشرة، فقد قصد المشرع الإماراتي بالمحاولة هو فعل الشروع الذي يستلزم للعقاب عليه البدء في التنفيذ وليس العمل التحضيري الغير معاقب علي من حيث المبدأ ( ).
حيث عرف المشرع الاماراتي الشروع بأنه البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها، ويعد بدءاً في التنفيذ ارتكاب فعل تعتبر في ذاتها جزءاً من الأجزاء المكونة للركن المادي للجريمة أو يؤدي إليها حالاً ومباشرة، ولا يعتبر شروعاً في الجريمة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضرية لها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ( ).
وفي هذا المسألة قد اخذ المشرع الاماراتي بذات الاتجاه الذي تبناه القضاء المصري حيث يستند الي نصوص تشريعية صريحة ومن ثم لا مجال للاجتهاد ( ).
كما في جاء في نص القانون الضريبي انه في حالة انتاج او تحويل او حيازة او تخزين أو نقل او تلقي سلع انتقائية لم تسدد الضريبة المستحقة عليها بقصد التهرب من سداد الضريبة المستحقة ( ).
وتضمن هذه الفقرة عدة أفعال مادية كالإنتاج والتحويل والحيازة وخلافه مما جاء في النص والتي في حالة اركاب المكلف لها تعتبر جريمة مستقلة في حالة توافر أركانها.
وأيضا نص القانون على أن وضع علامة مميزة غير صحيحة على السلع الانتقائية خلافة للنص الوارد في البند (2) من المادة (24) من هذا المرسوم بقانون، وذلك بقصد التهرب من سداد الضريبة المستحقة أو بقصد استردادها دون وجه حق ( ).
وبالتالي فإن من طرق الاحتيال التي يلجأ إليه المكلف للتهرب من سداد الضريبة هي تقديم بيانات غير صحيحة عن قيمة الوعاء الضريبي عن طريق وضع علامات مميزة غير صحيحة على السلع الانتقائية، والتي هي تشكل جريمة وصورة من صور التهرب الضريبي.
وأيضا من الطرق والوسائل الاحتيالية التي حددها القانون وجرمها هي تقديم أي مستندات او اقرارات او سجلات غير صحيحة او مزورة او مصطنعة بقصد التهرب من سداد الضريبة المستحقة او بقصد استردادها دون وجه حق ( ).
وتبين هذه الفقرة من نص القانون أنه في حالة تقديم مستندات أو إقرارات ضريبية غير صحيحة من جانب المكلف وذلك للهيئة العامة للضرائب تعتبر جريمة تزوير في هذه المستندات أو الإقرارات ومع الضريبية المقدمة ولا تقوم هذه الجريمة إلا بعد تقديم هذه الإقرارات الكاذبة للهيئة الاتحادية للضرائب، وذلك خلافا لما هو عليه الحال في جرائم تزوير المحررات المنصوص عليها في قانون العقوبات الاتحادي والتي تقوم بمجرد تزوير المحرر بنية استعماله كمحرر صحيح ( ).
ويري الباحث ان المشرع في هذا المادة قد أورد على سبيل المثال كل هذه الحالات باعتبارها أكثر انتشارا، فهو لم يأتي على الغش أو التجنب مباشرة حيث ان الوسائل المستعملة في جريمة التهرب الضريبي عديدة وقد يكون الحصر هنا تقييدا للجريمة لذا قد يكون تركها في هذه الحالة للهيئة الضريبية التي تعمل على ضبط هذه الحالات بأن يكون له السلطة في ذلك، فالهيئة هي التي تختص بتطبيق القانون وتنفيذ الضرائب الاتحادية والغرامات مع مكافحة التهرب الضريبي بالتعاون مع الجهات المختصة ( ).
ومع تحديد هذه الطرق الاحتيالية التي بينها القانون من صور مختلفة من التزوير والاحتيال او الامتناع والتي جرمها التشريع الاماراتي ومع ذلك لم يقرر المشرع العقوبات الجزائية لها في النص لهذه الطرق التي قد يسلكها المكلف للتهرب من سداد الضريبة حيث ان هذه العقوبات قد تقمع هذا التهرب وتحمي الاقتصاد الوطني للدولة وهنا تبرز إشكالية التجريم مع عدم وجود عقوبات جزائية ( ).
ولكن نص المشرع الاماراتي في القانون بشأن هذه العقوبات لجريمة التهرب الضريبي بالحبس او الغرامة التي لا تجاوز (5) اضعاف مقدار الضريبة التي تم التهرب منها او بأحدي هاتين العقوبتين ( )، وقد بين ان تطبيق هذه العقوبات على أي شخص ثبت اشتراكه مباشرة أو كان متسببا في التهرب الضريبي وفقا لقانون العقوبات الاتحادي ( ).
وقد عدد القانون الأشخاص التي تقع عليهم هذه العقوبات، حيث من قام بالامتناع عمدا عن سداد الضريبة المستحقة للدولة، أو الاحتيال والتزوير بتخفيض القيمة الفعلية للضريبة أو حتى التواطؤ في التهرب الضريبي أو بتقديم معلومات غير صحيحة لهيئة الضرائب ( ).
أيضا بين القانون في شأن ضريبة القيمة المضافة الأحكام والتعريفات والمخالفات والعقوبات حيث نص القانون أنه يعتبر الشخص متهربا من سداد الضريبة إذا ثبت انه ادعي التسجيل وفقا للمادة (48) من القانون ذاته بأنه خاض للضريبة في الدولة فيعاقب وفقا للقانون الاتحادي بشأن الإجراءات الضريبية ( ).
كما نشير هنا لصور الطرق الاحتيالية والتي منها التحايل المادي، والمحاسبي والقانوني، والتحايل المادي هنا هو الاخفاء الجزئي او الكلي للسلعة او المواد الخاضعة للضريبة أو ممارسة نشاط ثانوي غير مصرح به بجانب النشاط الرئيسي وذلك بنية تخفيض أو التهرب كليا من سداد الضريبية وخلافه من الطرق والوسائل الاحتيالية حيث ان الغاية من هذه الطرق الاحتيالية في القانون هي الإخفاء وذلك للتهرب من سداد الضريبة، كما ان الاخفاء يتحقق أيضا نتيجة لوقائع سلبية كعدم الإبلاغ عن بداية النشاط ( ).
اما الاحتيال المحاسبي فهو الأكثر شيوعا وفيه يقوم المكلف بتزوير المستندات والاقرارات الضريبية( )، والمالية بعد اجراء عدة تغيرات حسابية عليها وذلك لعدم تحديد الهيئة الضريبية للوعاء الضريبي الفعلي للمكلف ( ).
فيما تأتي صورة التحايل القانوني حينما يقوم المكلف بخلق وضعية قانونية مخالفة للوضعية القانونية الأصيلة، وذلك عن طريق التلاعب في تكييف الحالات القانونية، أو الاعتماد على العمليات الوهمية، أيضا قد يستعمل المكلف وثائق وفواتير مزيفة أو صورية، كأن يمارس المكلف بالضريبة نشاطاً تجارياً أو صناعياً مستعملًا سجلًا تجارياً لشخص متوفى أو عديم الأهلية القانونية أو غير موجود أصلًا ( ).
اما المشرع المصري فقد أشار في المادة (133) من القانون رقم (91) لسنة (2005) إلى الوسائل الاحتيالية التي يتبعها الممول أو المكلف بتهرب من سداد الضريبة وقد سرد الحالات التي عند استعمالها تعد تهربا يعاقب عليها القانون، أيضا ذكر صور الاحتيال للتهرب من سداد الضريبة في المادة (68) من القانون (67) لسنة (2016) قانون الضريبة على القيمة المضافة، والمادة (31) في قانون ضريبة العقارات (169) لسنة (2008).
الفرع الثاني
التهرب أو التخلص من أداء الضريبة
الأصل أن لكل جريمة لابد ان يكون لها نتيجة، فالجرائم المادية يشترط فيها المشرع تحقيق نتيجة ما، بحيث لا تتحقق الجريمة إلا إذا تحققت النتيجة التي نص عليها القانون، فهي التغيير الذي يظهر في العالم الخارجي كوفاة المجني عليه في جريمة قتل، أو انتقال المال محل جريمة السرقة إلى حيازة الجاني، أو الاعتداء على الحق الذي تحميه القاعدة الجنائية ( )، فالنتيجة هي إحدى العناصر الجريمة وتكون هذه النتيجة في جريمة التهرب الضريبي هو التهرب المكلف او الممول من أداء الضريبة الواجبة السداد قانونيا، وقد قسم الفقه النتيجة لمعنيين، معني مادي ومعني قانوني.
والمعني المادي للنتيجة هو التغيير الذي يحدث اثر للسلوك الاجرامي في العالم الخارجي فيحقق عدوانا ينال من مصلحة او حقا قدر الشارع جدارته بالحماية الجزائية، فعلي سبيل المثال في جريمة القتل تكون النتيجة الضارة هنا هي الوفاة وهي عدوان على الحق في الحياة، مع الاشارة ان هناك جرائم تتحقق بحدوث السلوك الاجرامي فيها دون حاجة لوقع نتيجة ضارة مثل الجرائم السلبية، حيث تتحقق بمجرد وقوع الموقف السلبي من قبل الجاني ( ).
وعليه ذهب جانب من الفقة إلى تقسيم الجرائم إلى جرائم مادية وشكلية من حيث قيام النتيجة أو من عدمها، والجرائم المادية هنا كما ذكرنا هي التي تتحقق فيها نتيجة ما، اما الجرائم الشكلية فهي التي لا يقتضي المشرع فيها تحقق نتيجة ما ، بل ينصب التجريم هنا على الأفعال المكونه لها، بحيث نكون امام جريمة تامة بمجرد ارتكاب هذه الأفعال، كما ان المشرع جرمها في مرحلة مبكرة أي في مرحلة السلوك دون انتظار وقوع النتيجة ( ).
اما الجانب الاخر من الفقة فقد عارض عدم تحقق النتيجة في الجرائم الشكلية ووضعها تحت محل النظر وهم يستندون إلى حجتين بالقول ان الشروع في الجريمة لا يتوافر إلا بتخلف النتيجة، بمعني ان الشروع في الجريمة الشكلية يعاقب عليها القانون، فإذا كانت الجريمة الشكلية دون نتيجة لما كان الشروع فيها متصورا، اما الحجة الثانية فان بعض الجرائم الشكلية تحتوي على نتيجة خاصة متميزة عن السلوك الذي يتضمه النص القانوني ( ).
أما المعني القانوني للنتيجة فهو الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون سواء أدى هذا الاعتداء الى الإضرار بالمصلحة المعتدى عليها او تهديدها أو تعريضها للخطر، والنتجية وفق ذلك المعني هي ليست تغييرا ماديا في العالم الخارجي أي هي ليست ضرر مادي ينتج عن السلوك الاجرامي، بل هي ضرر معنوي يعتدي به على الحق أو مصلحة جديرة بالحماية الجزائية من وجه نظر المشرع ( ).
وعليه وقد ذكرنا سابقا رأي جانب من الفقه في ان جريمة التهرب الضريبي هي جريمة تامة تتعلق بالجريمة الشكلية بالطريق الإيجابي أو السلبي حيث يمتنع المكلف من سداد الضريبة الذي هو عمل فرض عليه من قبل القانون للقيام به بموجب نصوصه، ومن هنا فإن استعمال إحدى الطرق أو الوسائل الاحتيالية التي ذكرها القانون التشريعي الضريبي يكفي لقيام جريمة التهرب الضريبي حتى أن لم تتحقق النتيجة من السلوك الاجرامي، كما ان المشرع الاماراتي كان صريحا في المادة (23) من القانون الاتحادي رقم (7) لسنة (2017) بشأن الضريبة الانتقائية عن حالات التهرب الضريبي حيث عاقب على المحاولة بنفس عقوبة الفعل التام وقد ساوي بينهم المشرع لخطورة جريمة التهرب، وقد يكون أن هذه الجريمة قد استدعت من المشرع الاماراتي تجريم هذا السلوك حيث أن التهرب من أداء الضريبة وحرمان الدولة من تحصيلها هو اعتداء على المال العام.
فيما يذهب الباحث ايضا أن جريمة التهرب الضريبي تتكون من عمل سلبي معين هو الامتناع والتهرب من سداد الضريبة المستحقة بنص قانوني، بمعني انها لا تعمل على تغيير في العالم الخارجي بل هي تلحق الضرر بالهيئة الضريبية أو تعرضها للخطر، حيث ان الركن المادي في جريمة التهرب الضريبي يظهر الفعل فيها دون الحاجة إلى البحث عن النتيجة، فهي من الجرائم العمدية، حيث لا تتطلب تحقيق النتيجة فوقوع الضرر في جريمة التهرب الضريبي واقع سواء كان عن طريق السلوك الجرمي أم لا، فصريح القانون ليس فيه اجتهاد حيث انه المشرع الاماراتي لم يشترط أن تؤدي الطرق الاحتيالية لتحقيق نتيجة معينة بل كان جلي انه يكفي المحاولة لقيام جريمة التهرب الضريبي ( ).
الفرع الثالث
العلاقة السببية بين الطرق الاحتيالية والتهرب
تعد العلاقة السببية هي العنصر الثالث من عناصر تحقيق الركن المادي للجريمة فهي الرابطة التي تصل بـين السـلوك الإجرامي والنتيجة المترتبة عليه، بحيث يمكن أن يقال إنه لولا هذا السلوك لما كانت تلك النتيجة، حيث إنها الصلة المادية التي تربط بين سلوك معين ونتيجته المحظورة ( ).
وعليه فإن القاعدة القانونية تنص على أن الركن المادي للجريمة يتحقق بقيام السلوك الاجرامي الذي هو اعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون والذي وهي الطرق الاحتيالية التي يلجأ إليها المكلف من التهرب من سداد الضريبة المستحقة للدولة ووقوع النتيجة الضارة لهذا السلوك مع توفر العلاقة السببية بين هذا السلوك الاجرامي ونتيجته الحاصلة ( ).
لذا لا تقع النتيجة الاجرامية بدون السلوك المسبب لها، سواء كان السلوك إيجابيا أو سلبا، فلا يسأل المجرم عن نتيجة فعله إلا إذا كان بين الفعل والنتيجة رابطة السـببية، فمتى وجدت الرابطة السببية بين الفعل ونتيجته كان المجرم مسئولاً عن نتيجة فعله، وفي حال انعدام هذه الرابطة بين الفعل ونتيجته، فإن المجرم يسأل عن فعله فقط ولا يسأل عن نتيجته ( )، ويشير الباحث هنا ان العلاقة السببية التي تربط ما بين السلوك الاجرامي والنتيجة التي تحققت قد ينفرد بها قاضي الموضوع بتقديرها دون التدخل السلطة التقديرية له على شرط ان تكون مبنية على أسباب موضوعية.
ومما سبق ذكره بالقول فإن جريمة التهرب الضريبي سواء ان كانت بفعل او سلوك ايجابي او سلبي فهي تقع من الجرائم العمدية التي تقوم على السلوك دون النتيجة حيث تكتمل أركانها مباشرة عند قيام السلوك الاجرامي للفعل، وبالتالي لا مجال للبحث في العلاقة السببية فيها، وقد استقر الرأي الراجح في الفقه بأن العلاقة السببية تكون متوافرة في الجرائم العمدية متي كان فعل الجاني هو أحد العوامل التي قد أحدثت النتيجة ( ).
المطلب الثاني
الركن المعنوي لجريمة التهرب الضريبي
تمهيد وتقسيم:
لقد استقر في الفقه الجنائي المبدأ الذي يقضي بتوافر الكيان المادي الذي لا ينشأ مسؤولية ولا يستوجب عقابا ما لم يواكب مع هذا الكيان المادي كيان نفسيا يتمثل في الإرادة الاجرامية لذا يطلق على الركن المعنوي للجريمة بانه الرابطة النفسية التي تسمح بإسناد الواقعة غير المشروعة إلى إرادة فاعلها، او الصلة النفسية بين الفاعل وبين الواقعة التي يعاقب عليها القانون ( ).
لذا لم تعد تكتفي القوانين المعاصرة بالركن او الفعل المادي للجريمة وحدها، بل تتطلب معرفة الحالة النفسية للجاني وما الذي أدي به إلى ارتكاب هذا الفعل المادي الظاهر، وهو انسان عاقل متمتع بالأهلية المطلوبة لتحمل المسؤولية الجنائية، ولدية الإدراك وحرية الاختيار.
كما يعد الركن المعنوي روح الجريمة والاداة والوسيلة التي تحدد المسؤول عن ارتكابها، فلا يسال الشخص عن جرم ما ارتكبه ما لم تكن هناك علاقة بين الركن المادي ونفسيته، كما ان الركن المعنوي هو ضمان للعدالة وشرط لكي تحقق العقوبة اغراضها الاجتماعية ( ).
ويعرف الركن المعنوي في الفقه بأنه هذه العلاقة التي تربط شخصية مرتكب الجريمة بماديات الجريمة ( ).
ولما كانت جريمة التهرب الضريبي جريمة عمدية كما اشرنا سابقا فهي لا تقع بطريق الخطأ أو الإهمال بل يلزم لها توافر القصد الجنائي( )، لذا يلزم لقيامها ان ينصرف قصد الجاني إلى تنفيذ الجريمة، والقصد الجنائي هنا كما عرفه جانب من الفقه هو الإرادة ذاتها والاتجاه الذي ينسب إليها ( )، بمعني ان الركن المعنوي للجريمة الضريبية هي بيان نية مرتكب الجريمة، حيث يجب ان يتحقق إرادة اثمة لدي الجاني لقيام الجريمة.
وعليه فإن جريمة التهرب الضريبي هي جريمة عمدية، يشترط في قيامها توافر القصد الجنائي العام والخاص وذلك للتخلص من العبء الضريبي، أي توافر الإرادة المنصرفة والعلم بالجريمة وأن يتجه الجاني إلى التخلص من أداء الضريبة كلها أو بعضها، ومن ثم يكون لقاضي الموضوع استخلاص القصد الجنائي العام او الخاص وهي مسألة موضوعية بحته له، بحسب ما يكون لديه من الأدلة ( ).
وعلى ضوء ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين:
- الفرع الأول: القصد العام لجريمة التهرب الضريبي.
- الفرع الثاني: القصد الخاص لجريمة التهرب الضريبي.
الفرع الأول
القصد العام لجريمة التهرب الضريبي
كانت القوانين قديما تتجه تحو التدخل التشريعي بالتجريم والعقاب على نشاط التهرب الضريبي سواء كان كليا أو جزئيا او الامتناع أو الاخفاء عن السلطة الضريبية لعدم سداد الضريبة المستحقة والتملص منها، وقد كان يكفي لقيامها ان يتحقق الركن المادي للجريمة لانعقاد المسؤولية الجنائية وتوقيع العقوبة، بمعني ان الركن المادي كان له الغلبة على الركن المعنوي للجريمة وافتراض الاثم الجنائي والمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ( ).
ونشير هنا ان الفقه الفرنسي قد برر ذلك بأن الالتزام الضريبي لا يتطلب جهدا خاصا وان قانون العقوبات الضريبي هدفه هو الاهتمام بتحصيل الضريبية المستحقة للدولة وذلك لضمان تيسير المرافق العامة لها، كما ان التهرب الضريبي يتم عادة بطرق ووسائل تنطوي على الغش والاحتيال والتي تجعل من الصعب اثبات الخطأ العمدي أو الغير عمدي في حث الممول او المكلف المخالف الامر الذي يبرر في النهاية خضوعه إلى نظام عقابي مستقل عن كل خطأ شخصي ( ).
ويري الباحث ان القصد الجنائي هو أخطر صور الركن المعنوي حيث ان الجريمة هي عدوانا على المجتمع تكتمل عن تكون العناصر المادية للجريمة المرتكبة عن عمد.
ومن المقرر في الفقه ان الصورة العمدية هي الأصل في الجرائم وان تصريح القانون في العمد في نص القانون فان أغفل صور الركن المعنوي في جريمة ما فان هذه الجريمة تكون عمدية وركنها المعنوي هو القصد الجنائي ( ).
وقد صنف الفقه القصد العمد إلى عنصرين وهما التصميم المسبق وهدوء البال، بمعنى ان الجاني قد فكر فيما عزم عليه من امر وقد رتب وسائله وتدبر عواقب الفعل ثم أقدم على فعلته وهو هادئ البال بعد أن زال عنه تأثير الغضب ( )، كما ان الأصل في العمد في التهرب الضريبي هو التوجه اليه بإرادة إحداثه وعدم سداد الضريبية المستحقة ( ).
والقصد العام للجريمة يتكون من العلم والارادة ( )، وهو متوفر في جميع الجرائم العمدية، وعرفه جانب من الفقه بأنه اتجاه إرادة ا لجاني مباشرة إلى تحقيق الركن المادي للجريمة مع العلم به والعلم بسائر ما يتطلبه القانون من عناصر قانونية ( ).
بمعني انه من المفترض على المكلف علمه بارتكابه الفعل الاحتيالي والذي من شأنه ان يؤدي إلى التخلص من سداد الضريبة كلياً او جزئيا، أما في حالة إخفاء المكلف بعض المبالغ التي تستحق الضريبة نتيجة خطأ مادي أو لجهله بقواعد المحاسبة فلا يعد هنا القصد متوافر لديه، ويتعين أن تتجه إدارة الجاني إلى الاحتيال والغش وإيقاع الإدارة الضريبية في الخطأ ( ).
وهذا ما أكده الفقه حيث ان القصد العام يتطلب توافر عنصر الإرادة، أي اتجاه إرادة الجاني إلى الاحتيال وايقاع الإدارة الضريبة في الغلط ( ).
فالمكلف هنا على علم بعدم مشروعية سلوك الفعل، سواء كان هذا الفعل إيجابيا، على سبيل المثال المماطلة في التصريح عن الارباح السنوية رغم العديد من الاشعارات المرسلة من الهيئة الضريبية، او كان الفعل سلبيا كامتناعه عن التصريح للهيئة عن هذه الارباح، فبرغم من علم المكلف بعدم مشروعية هذا الفعل إلا ان إراداته قد اتجهت على اتيانه بطرق احتيالية والتي أدت في النهاية التي التخلص او التهرب من أداء الضريبة المستحقة سواء كان كليا او جزئيا.
لذا عرف البعض القصد الجنائي العام في جريمة التهرب الضريبي بأنه هو انصراف إرادة المكلف بالضريبة إلى القيام بفعل وهو يعلم بالطابع غير الشرعي لسلوكه الإيجابي أو السلبي، الذي يتحقق عن طريق الإخفاء أو الغش والاحتيال، إذ أن الإغفال أو عدم الإدلاء بالتصريح أو إخفاء جزء من المبالغ المتخذة كقاعدة للضريبة ينبثق حتما عن الإرادة والنية السيئة للمكلف ( ).
كما ان شرط توافر القصد العام في جريمة التهرب الضريبي توجيه الجاني إرادته لارتكاب الجريمة وهو على علم تام بعناصرها القانونية، وعلى سبيل المثال فعند توجيه إرادة الجاني إلى إدخال أو محاولة إدخال سلع انتقائية إلى الدولة أو إخراجها أو محاولة إخراجها منها مع علمه بذلك، فقد توافر القصد العام في الجريمة ( )، وهناك العديد من طرق الاحتيال التي نصت عليه المادة (23) من القانون الاتحادي رقم (7) لسنة (2017) بشأن الضريبة الانتقائية من حالات التهرب الضريبي، ينطبق عليها توافر القصد العام، حيث ان المكلف يكون على علم بالعناصر الأساسية لقيام الجرم سواء عن طريق السلوك الاجرامي او بموضوع الاعتداء، وكل تلك الحالات يكون فيه القصد العام جنائي هو علم الجاني بارتكابه فعلا احتياليا والتي ستؤدي في نهاية الامر إلى التهرب من سداد الضريبة المستحقة أو استردادها دون وجه حق، ويتعين كذلك أن تتجه إرادة الجاني إلى هذا الفعل الاحتيالي( ).
لذا يتحقق القصد العام لجريمة التهرب الضريبي بمجرد توافر عنصري العلم والإرادة أي بمجرد مخالفة المكلف بالالتزام الضريبي امام الهيئة الضريبية فتقوم جريمة التهرب الضريبي التامة ضده ( ).
وتحليلا للقاعدة الفقهية فإن عنصر العلم هو ان يقتضي ان المجرم يحيط علما بكل العناصر التي تلزم لقيام الجريمة كما نص عليه القانون، وذلك كما أشرنا سابقا استخدام الطرق الاحتيالية والغش والتدليس للتهرب من سداد الضريبة المستحقة، كما ان عنصر العلم لا ينتفي بجهل المكلف بالقانون او تفسيره الخاطئ له حيث نص قانون العقوبات على انه لا يعتبر الجهل بأحكام هذا القانون عذرا ( )، كما ان الجاني يسأل عن الجريمة سواء ارتكبها عمدا أم خطأ ما لم يشترط القانون العمد صراحة ( ).
حيث يعد العلم بالواقعة هي حالة ذهنية ترسم الجريمة في ذهن الجاني، ثم تأتي الإرادة لتحسم الاختيار وتعمل على نقل الفكرة من ذهن الجاني إلى الواقع، وبالتالي القصد العام هو إرادة الجاني إلى ارتكاب السلوك وإلى تحقيق النتيجة ( ).
اما الإرادة فيذهب الفكر الجنائي التقليدي توجيه الجاني إراداته نحو ارتكاب الفعل المعاقب عليه سواء كان إيجابيا او سلبيا ونحو تحقيق نتيجة مطلوبة ( ).
وقد عرفت الارادة بانها القوة النفسية او النشاط النفسي الذي يوجه كل اعضاء الجسم او بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع، بمعني المساس بحق او مصلحة يحميها القانون، لهذا تعتبر الإرادة المحرك نحو قيام السلوك الاجرامي بالنسبة للجرائم ذات السلوك المجرد، وهي المحرك نحو تحقيق النتيجة بالإضافة للسلوك الاجرامي بالنسبة للجرائم المقصودة ( ).
كما ان الإرادة لابد ان تكون إرادة واعية فاذا اقتضي هذا الوعي لا يعود صاحب الإرادة مسؤولا عن الجرم، فلا يعتد المشرع الاماراتي بهذه الإرادة طالما لم تتوفر فيه الاهلية القانونية الازمة لتحمل المسؤولية عن أفعال الجاني وقد بين المشرع الاماراتي هذا في نص القانون حيث نص على انه لا يسأل جنائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقدا الإدراك أو الإرادة لجنون أو عاهة في العقل أو غيبوبة ناشئة عن عقاقير أو مواد مخدرة أو مسكرة أيا كان نوعها أعطيت له قسرا عنه أو تناولها بغير علم منه بها أو لأي سبب آخر يقرر العلم أنه يفقد الإدراك أو الإرادة ( ).
لذا مضمون القاعدة الفقهية تنص على إن الركن المعنوي في جريمة التهرب من أداء الضريبة وكما بيننا سابقا هي من الجرائم العمدية تتطلب قصداً عاما بعلم الجاني بهذا التحايل الذي يؤدي إلى التخلص من أداء الضريبة وتطلب أيضا قصدا خاصا تتجه فيه نية الجاني إلى التخلص من أداء الضريبة كلها أو بعضها ( ).
الفرع الثاني
القصد الخاص
القصد الجنائي الخاص هو اتجاه إرادة الجاني وذلك لتحقيق قصد خارج الركن المادي ويكون الباعث لارتكاب الجريمة ( ).
حيث أن الإرادة قد تتجه إلى غاية محددة أو يتوافر لها باعث معين وذلك استثناء من الأصل العام الذي لا يعتد بالباعث أو الغاية في القصد الجنائي، ذلك أن الباعث هو الأسباب الشخصية التي تدفع الفاعل إلى ارتكاب الجريمة.
ويري جانب من الفقه أن الباعث هو الرغبة في تحقيق غاية معينة لدي الجاني والتوصل لنتيجة أبعد من النتيجة التي يتطلبها القانون لتوافر الركن المادي ( ).
ومن الأمور المسلم بها في فقه القانون الجنائي أن البواعث ليست ركن من أركان الجريمة ولا عنصرا من عناصرها، فالبواعث مهما اختلفت وتنوعت فهي خارجة عن القصد ولا تؤثر فيه، ومتي قام القصد الجنائي فلا عبرة بالبواعث أو النوايا التي دفعت إلى هذا السلوك ولا بالغاية التي كان يرمي إليها الجاني من وراء ذلك ( )، فالباعث على الجريمة لا أثر له على مسئولية الجاني أو عقابه في الشريعة الاسلامية ( ).
ولكن قد يعتني القانون أحيانا بالباعث ويجعل له أثر في قيام الجريمة، ويكون ذلك في الأحوال الاستثنائية التي ينص عليها ويشترط فيها الباعث على نحو محدد، وهنا يدخل الباعث في عناصر القصد الجنائي ويسمي حينئذ بالقصد الخاص( ).
والقصد الخاص لا يكون الا في الجرائم العمدية الذي تطلب توافر القصد العام إلى القصد الخاص حيث ان توافر القصد الخاص في الجرائم العمدية يفترض حتما توافر القصد العام حيث أن الجريمة التي يتطلب فيها قصد خاص يلزم أن يتوافر فيها أولاً العلم والإرادة عنصري القصد العام، ثم يضاف إليهما الغاية المنصوص عليها، إلا ان القصد الخاص لا ينصرف إلى اركان الجريمة بل إلى وقائع خارجة عن اركان الجريمة ( ).
وقيام القصد الخاص في جريمة التهرب الضريبي هو ان تتجه إرادة الجاني إلى التخلص من أداء الضريبة المستحقة كليا او جزئيا وحرمان الإدارة الضريبية من الحصول على حقها في هذه الضريبة ( )، بمعني أن قيام النية الإجرامية لدي الجاني بتعمد الضرر بمصالح الهيئة الضريبية وعدم أداء الالتزام القانوني والذي هو شرط جوهري لقيام الجريمة.
والقصد الجنائي الخاص يتطلب وجود نية للتهرب من سداد الضريبة وهي ما يعبر عن غاية ورغبة المكلف في التهرب الغير مشروع باستعمال الطرق الاحتيالية وتجدها واضحة العيان في جريمة الغش الضريبي.
حيث ان اتجاه قصد المكلف وغايته من مباشرة أعمال الاحتيال للتخلص من الضريبة كلها أو بعضها يحرم الهيئة الضريبة من تحصيل الضريبة المستحقة للدولة، وهو ما يعبر عنه برغبة في الإثراء غير المشروع باستعمال طرق احتيالية تؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى التهرب من الضريبة ( ).
وقد بينت حالات التهرب الضريبي من الضريبة الانتقائية في المادة (23) من القانون الاتحادي رقم (7) لسنة (2017) بشأن الضريبة الانتقائية، ان جريمة تقديم مستندات أو إقرارات ضريبية غير صحيحة والتي نص عليها القانون تتطلب قصدا جنائي خاص وهو من عدم سداد الضريبة المستحقة أو استردادها دون وجه حق( ).
أيضا جرائم إنتاج أو تحويل أو حيازة أو تخزين أو نقل أو تلقي سلع انتقائية، التي أشار اليها النص القانوني في المادة، تتطلب قصداً جنائي خاص وهو التهرب من سداد الضريبة المستحقة على السلع الانتقائية ( ).
وقد بين قانون الجمارك الموحد بأن تقديم مستندات أو قوائم كاذبة أو مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة بقصد التهرب من تأدية الضرائب (الرسوم) الجمركية كليا أو جزئيا أو بقصد تجاوز أحكام المنع أو التقييد( ).
والخلاصة أنه يجب توافر ركن معنوي في جريمة التهرب الضريبي الذي يعتبر عنصر القصد الجنائي فيها هو اهم درجاتها، لأنه ينطوي على اتجاه إرادة الجاني لارتكاب الجريمة مع علمه بعناصرها، على سبيل المثال حينما يقدم المكلف اقرارا كاذبا عن دخله او يمتنع عن دفع الضريبة باتخاذ طرق ووسائل غير مشروعة والتي من شأنها ضياع حق الدولة في الضريبة ( ).